مراحل تشكل البراكين

البراكين

تعد البراكين من الظواهر الطبيعية الجيولوجية المدهشة التي لعبت دورًا أساسيًا في تشكيل سطح الأرض عبر العصور. فهي ليست مجرد فوهات تطلق الحمم والصخور، بل هي عمليات جيولوجية معقدة تمتد عبر آلاف أو حتى ملايين السنين. تتشكل البراكين نتيجة لحركة الصفائح التكتونية ونشاط الصخور المنصهرة في باطن الأرض. في هذا المقال، سنتناول المراحل المختلفة لتشكل البراكين، بدءًا من التغيرات العميقة داخل الأرض وصولًا إلى الانفجارات البركانية الكبرى.

نشأة الصهارة في أعماق الأرض وبداية تكون البراكين

تبدأ عملية تشكل البراكين في طبقات الأرض العميقة، حيث ترتفع درجة الحرارة والضغط إلى مستويات تؤدي إلى انصهار الصخور وتكوين الصهارة. تنشأ هذه الصهارة نتيجة لحركة الصفائح التكتونية، والتي تتسبب في تسخين المواد الصخرية حتى تتحول إلى سائل منصهر غني بالغازات. تلعب طبيعة الصخور المحيطة دورًا هامًا في تحديد خصائص الصهارة الناتجة، حيث تختلف تركيبتها الكيميائية وكثافتها، مما يؤثر على سرعة صعودها ومدى تأثيرها في تشكيل البراكين. قد تبقى الصهارة في أعماق الأرض لفترات طويلة قبل أن تجد طريقها نحو السطح عبر الشقوق والفجوات.

تجمع الصهارة في الغرف الصهارية داخل البراكين

عندما تتشكل الصهارة، فإنها تبدأ في التجمع في مناطق تعرف بالغرف الصهارية. هذه الغرف تكون عبارة عن تجاويف ضخمة تحت سطح الأرض تحتوي على الصهارة المنصهرة والغازات المضغوطة، والتي تظل مخزنة لفترات زمنية طويلة حتى تجد طريقها إلى السطح. تؤثر عوامل مثل الضغط الداخلي، ونوعية الصخور المحيطة، ودرجة اللزوجة على استقرار هذه الغرف وعلى إمكانية اندفاع الصهارة منها في المستقبل. إذا استمر الضغط بالتصاعد داخل الغرفة الصهارية، فقد يؤدي ذلك إلى تشقق الصخور المحيطة، مما يمهد لحدوث انفجار بركاني لاحقًا.

صعود الصهارة نحو سطح البراكين

نتيجة للضغط المتزايد داخل الغرفة الصهارية، تبدأ الصهارة بالصعود تدريجيًا عبر الشقوق والصدوع في القشرة الأرضية. تتحرك الصهارة عبر هذه القنوات بفعل اختلاف الكثافة والضغط بين الطبقات المختلفة، مما يؤدي في النهاية إلى وصولها قرب السطح. خلال رحلتها إلى الأعلى، قد تتغير تركيبة الصهارة نتيجة لتفاعلها مع الصخور المختلفة، مما يساهم في تغيير طبيعة الثوران البركاني المتوقع. كلما زادت اللزوجة في الصهارة، كلما زادت احتمالية حدوث ثوران عنيف نظرًا لتراكم الغازات في الداخل دون أن تجد منفذًا للخروج بسهولة.

تكون الشقوق والفوهات البركانية

مع استمرار صعود الصهارة، تبدأ بالتأثير على الصخور المحيطة، مما يؤدي إلى تكوين شقوق وفجوات تسهل خروجها. قد تتسبب هذه العملية في حدوث زلازل صغيرة أو اهتزازات، مما يمهد لحدوث انفجار بركاني محتمل عند بلوغ الصهارة السطح. تتشكل الفوهات البركانية بشكل تدريجي، حيث تتوسع مع كل ثوران جديد، مما يؤدي إلى تراكم المواد البركانية حولها. تختلف أحجام الفوهات البركانية بناءً على طبيعة النشاط البركاني، حيث يمكن أن تكون صغيرة وضيقة أو واسعة وعميقة تبعًا لقوة الانفجارات المتعاقبة.

حدوث الثوران البركاني

عندما تصل الصهارة إلى السطح، يحدث الانفجار البركاني، والذي يختلف في شدته تبعًا لكمية الغازات المحتبسة في الصهارة. قد يكون الثوران هادئًا، حيث تتدفق الحمم البركانية ببطء، أو عنيفًا يتسبب في قذف الحمم والرماد لمسافات كبيرة. يعتمد شكل البركان الناتج على طبيعة الحمم البركانية، حيث أن الحمم السائلة تؤدي إلى تشكل براكين منخفضة ملساء، بينما تؤدي الحمم اللزجة إلى تراكم طبقات صلبة قد تتسبب في انسداد الفوهة وانفجارات لاحقة أكثر قوة.

تدفق الحمم البركانية وانتشار المواد البركانية

بعد الانفجار، تتدفق الحمم البركانية إلى المناطق المحيطة بالفوهة البركانية. تختلف سرعة التدفق وفقًا للزوجة الصهارة، حيث تتدفق الحمم السائلة بسرعة بينما تكون الحمم اللزجة أبطأ وتؤدي إلى تراكمات بركانية ضخمة. تنتشر أيضًا المواد البركانية الأخرى مثل الرماد والصخور البركانية، والتي قد تغطي مساحات واسعة، مما يؤثر على المناخ والبيئة لفترات زمنية طويلة. يمكن أن تتسبب هذه التدفقات في تدمير المناطق المجاورة، لكنها على المدى الطويل تساعد في تشكيل تضاريس جديدة وتخصيب التربة.

تراكم المواد البركانية وتشكيل المخروط البركاني

مع مرور الوقت، تؤدي الانفجارات البركانية المتكررة إلى تراكم المواد البركانية حول الفوهة، مما يؤدي إلى تكوين شكل المخروط البركاني. تتراكم طبقات من الرماد والصخور البركانية والحمم، مما يساهم في زيادة ارتفاع البركان واتساعه تدريجيًا. يعتمد شكل المخروط على نوعية المواد المتراكمة، حيث يمكن أن يكون مكونًا أساسًا من الحمم الصلبة، أو أن يتكون من طبقات متناوبة من الرماد والحمم. يمكن لهذه المخاريط أن تستمر في النمو عبر مئات السنين، مما يجعل بعض البراكين من أعلى الجبال على سطح الأرض.

تصلب الحمم البركانية وبناء التضاريس

بعد انتهاء الثوران البركاني، تبدأ الحمم البركانية بالتصلب نتيجة تبريدها عند ملامستها للهواء أو الماء. هذا التصلب يؤدي إلى تكوين تضاريس بركانية جديدة مثل الهضاب، القباب، والجزر البركانية التي قد تنشأ في المحيطات. يمكن أن تستمر هذه العمليات لعقود أو قرون، حيث تتآكل بعض التضاريس بفعل العوامل الجوية، بينما تبقى أخرى كمعالم جيولوجية بارزة.

دورات النشاط البركاني واستمرار العمليات البركانية

تمر البراكين بدورات من النشاط قد تستمر لملايين السنين. فبعض البراكين تثور بشكل متكرر على فترات زمنية متقاربة، بينما تمر أخرى بفترات خمود طويلة قبل أن تعاود النشاط مجددًا. يعتمد هذا على طبيعة الصهارة والحركات التكتونية التي تؤثر على المنطقة. قد تتغير خصائص البركان بمرور الزمن، مما يؤدي إلى تغير سلوكه البركاني ومدى تأثيره على المناطق المحيطة.

انخفاض النشاط البركاني وتوقفه

في النهاية، قد يتوقف البركان عن النشاط نتيجة لاستقرار الغرف الصهارية أو تغير الظروف الجيولوجية. يمكن أن يصبح البركان خامدًا لفترة طويلة أو أن ينقرض تمامًا، مما يؤدي إلى تحول المخروط البركاني إلى جزء من التضاريس الطبيعية دون أي نشاط مستقبلي. يمكن أن تترك البراكين المنقرضة بصماتها على شكل بحيرات بركانية أو سلاسل جبلية مميزة تظل شاهدًا على نشاطها السابق.